"ليلة القدر" بمدينة خريبكة .. أجواء روحانية وأيادٍ حاتمية
صالح الخزاعي من خريبكة
الأربعاء 21 يونيو 2017 - 23:04
تُحكم مساجد مدينة خريبكة إغلاق أبوابها مباشرة بعد الانتهاء من أداء صلاة العشاء، ولا تُعيد فتحها إلا مع اقتراب موعد صلاة الصبح، مع إجراء تعديل بسيط خلال شهر رمضان، إذ يرتبط موعدا الإغلاق والفتح بنهاية صلاة التراويح وبداية ركعات صلاة التهجد؛ غير أن القائمين على تدبير شؤون المساجد يضعون الإجراء المذكور جانبا خلال ليلة واحدة في السنة، وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، أو "ليلة القدر"، إذ تشرّع أبواب المساجد طيلة الليلة من أجل استقبال ضيوف الرحمان.
وتعيش مساجد المدينة طيلة ليلة السابع والعشرين أجواء تعبّدية وروحانية استثنائية مقارنة مع باقي أيام شهر رمضان، إذ تحجّ إلى بيوت الله أعداد كبيرة من المصلين الراغبين في أحياء تلك الليلة بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن، أملا منهم في أن تصادف عبادتهم ليلة القدر، فينالوا بذلك أجرا يفوق ما يناله المرء من ثواب عبادة ألف شهر.
ويحرص المسؤولون على تسيير أمور المساجد بمدينة خريبكة، خاصة في السنوات الأخيرة، بوضع برنامج محكم من حيث تنوع الفقرات، ومضبوط من حيث المواعيد وطبيعة المشرفين على كل مرحلة من مراحل إحياء ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان، ما يجعل تلك المساجد قبلة لمختلف الشرائح المجتمعية والفئات العمرية، انطلاقا من أذان صلاة العشاء إلى غاية قراءة الحزب الراتب بعد صلاة الصبح.
ويتمّ إحياء ليلة السابع والعشرين بمساجد مدينة خريبكة بدءًا بصلاة العشاء وركعات التراويح، لتبدأ بعد ذلك دروس الوعظ والإرشاد والابتهالات والأذكار وقراءة القرآن، مع أداء ركعات بين الفينة والأخرى، ضمن ما يُعرف بصلاة القيام والتهجّد، تتخلّلها فترات للاستراحة، يتخذها المصلون فرصة للعبادة الفردية، سواء بقراءة كتاب الله أو رفع الأيادي بالدعاء أو ذكر الله بالتسبيح والتهليل والتكبير.
ومن بين المميّزات التي تطبع مساجد مدينة خريبكة في الليلة السابعة والعشرين من رمضان حرصُ مُسيّريها على توفير الأجواء الملائمة لحُسن إحياء الليلة، وفي مقدّمتها توفير المأكل والمشرب لضيوف الرحمان، إذ يعمل الجيران وجمعيات الأحياء على تزويد بيوت الله بالماء البارد والتمر والحلويات ولوازم إعداد كؤوس الشاي، من أجل توزيعها على عمّار المساجد في فترات الاستراحة.
ولا يقتصر كرم جيران المساجد على الحلويات والشاي، بل يحرصون على إعداد أطباق الكسكس في وجبة العشاء، وأطباق أخرى من الفطائر المدهونة بزيت الزيتون والعسل والزبدة في وجبة السحور، حتى لا يضطر المصلون إلى مغادرة المسجد والتنقل إلى منازلهم لتناول حاجياتهم الغذائية، في وقت تصير الليلة مناسبة لإطعام المساكين والمحتاجين الذين يؤثثون جنبات المساجد طيلة الليلة.
وأوضح يوسف، بصفته قيّما دينيا بمدينة خريبكة، أن "المدينة لها من الخصوصية ما يجعلها تستحق لقب مدينة المساجد، إضافة إلى لقب آخر وهو مدينة القراء، نظرا لتوفّرها على شباب يجيدون تلاوة القرآن، ويظهر ذلك جليّا خلال شهر رمضان، بفضل من الله تعالى".
أما ليلة السابع والعشرين من رمضان، يضيف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، "فلها طعم خاص يرتبط أساسا بتنوع المراحل والخطوات والفقرات المختارة لإحياء الليلة، إذ تضع الجمعيات المشرفة والهيئات المكلفة بالمساجد، بتنسيق مع المندوبية الإقليمية للأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي المحلي، على وضع برنامج يضم أنشطة تتوزع بين الصلاة والذكر والوعظ وغيرها".
وأشار المتحدث ذاته إلى أن "أغلب مسيّري المساجد، إن لم نقل جميعهم، اتفقوا على عُرفٍ يبيّن مدى كرم المغاربة وسخائهم، ويتمثل في استغلال مناسبة السابع والعشرين من رمضان في جمع ما تيسّر من المساهمات المالية من عمّار بيوت الله، من أجل مساعدة القيّمين الدينيين بمساجد المدينة. كما يستغل آخرون المناسبة في الإقبال على بيوت الله، وإكرام المصلين بما تيسّر من أكل وشرب ومساعدات مادية ومعنوية".